(زايولينغ) فتاة صينية تبلغ من العمر 25عاما..
ترعرعت في أسرة ريفية بسيطة ,وحينما أكملت دراستها الثانوية، عملت في أحد المصانع حتى بلغت الرابعة والعشرين من العمر، ثم انتقلت إلى مدينة (زهونغشام) بجنوبي الصين وهناك التقت برجل يدعى (وانغ كيزهي).
وبدأت فصول النهاية المؤلمة..
حين ارتبطت (زايو) مع (وانغ) بعلاقة صداقة - والصداقة في تلك البلدان هي البديل الأسهل للزواج - .
وبعد فترة سعت (زايو) للانفصال عن هذا الرجل عندما اكتشفت أنه تاجر مخدرات ولكنه تمكن من استمالتها مجددا.
و في شهر يناير 2002 ، تمكن (وانغ) من إقناعها بنقل شحنة من الهيروين كانت مخبأة في فرن مايكروويف من مدينة (غوانغزهاو) إلى (ووهان) وتسليمها في أحد الفنادق.
ثم قامت بنقل شحنتين أخريين لصالحه في شهري فبراير ومارس,غير أنه تم اعتقالها خلال الرحلة الثالثة وتم ضبط 7 كيلو من الهيرويين في حوزتها.
لم تنته الحكاية..
فــ(الصديق المزعوم) ترك (زايو) تواجه التهمة وحيدة وتمكن هو من الهرب, ولم يتم القبض عليه حتى هذه اللحظة !!
وفي أثناء التحقيق نصحها المحققون بأن تعترف بجرمها بأمل الفوز بحكم مخفف, فاعترفت, وفي شهر سبتمبر 2002وأثناء محاكمتها، توسلت (زايو) للقاضي ودموعها تغرق وجنتيها قائلة:
(أرجوك امنحني فرصة ثانية في الحياة, إنني ارغب في الحياة, إنني مازلت شابة صغيرة).
لكن القاضي أصدر عليها حكما بالإعدام .
ورغم ذلك إلا أن (زايو) الفتاة الريفية الغافلة البريئة كانت على قناعة تامة أن الحكم سيتم نقضه,
فلم يخطر ببالها أن يضيع عمرها بهذه البساطة, وكانت تقول لصديقاتها من النزيلات:(سيكون عمري 40 عاما فقط عندما يتم إخلاء سبيلي)
واضطر الحارسات لتشجيعها على الاقتناع بالنقض شفقة بها.
لكن في في 24 يونيو 2003 وبعد تسعة أشهر من محاكمتها، تم إعدامها بطلقة نارية اخترقت مؤخرة رأسها.
ولعل أبلغ اختصار لحكاية (زايو) ماكتبته صحيفة «ميل أون صنداي»:
أن الفتاة « زايولينغ» البالغة من العمر 25 عاما لم تكن من عتاة المجرمين بل فتاة بسيطة قادمة من الريف أقحمت في تجارة المخدرات وتم استخدامها كمروجة من قبل صديقها الخائن.
وحديثنا عنها الآن بعد مرور تسعة أعوام على تلك الأحداث, لأنه في الأسابيع القليلة الماضية قام تلفزيون (فونيكس) في (هونغ كونغ) ببث بعض الصور التي تم التقاطها لـ(زايو) عام 2003 قبيل ساعات من إعدامها من داخل مركز اعتقال النساء في (ووهان) بوسط الصين, ولكن السلطات حظرت نشرها ذلك الحين باعتبارها بالغة الحساسية.
ولو تأملنا الصور فسنجد أنها تروي حكايات مؤلمة:
ففي أحدها ظهرت زايو وهي تضحك بمرح أثناء تناول وجبتها الأخيرة..
وفي الصورة الثانية كانت تقيس الحذاء الذي ستقوم بارتدائه أثناء تنفيذ حكم إعدامها..
وفي الثالثة ظهرت وهي تقيس قميصا كانت قد طلبت أن يكون لونه أسودا لأنها أرادت أن تبدو أكثر رشاقة في اللحظات الأخيرة..
وفي الصورة الرابعة كانت تلعب الورق في سعادة غامرة مع صديقاتها السجينات..
أما في الأخيرة فكانت (زايو) تبكي بمرارة..حيث كانت تساق لإعدامها!!
لم تتقبل (زايولينغ) مصيرها إلا قبيل سويعات من إعدامها، عندما تم أخذها لتوقع على أوراق تنفيذ الإعدام، فكتبت رسالة إلى والديها تعتذر فيها عن تخييبها لأملهم فيها قالت فيها:
(لم أكن اعلم إنني سأقع في ورطة كهذه,كنت أود أن اكسب المال لمساعدتكم ولكن كل شيء نحا منحى خاطئا).
انتهت حكاية زايو..
لكنها لم تكن وحدها, فقد كان معها في الصور ثلاث نساء أخريات لكل واحدة منهن قصة أشد إيلاما.
وحينما أقرأ هذا السيناريو المؤلم لا أشك للحظة أن سيناريو كهذا قابل للحدوث لأي امرأة في العالم.
تعالوا لنروي حكاية (نوير السعودية) وأترك لكم المقارنة..
نوير هي فتاة بسيطة طيبة مؤمنة غافلة رقيقة ونقية, ترعرعت في إحدى القرى النائية البعيدة عن المدينة, وكانت أكبر الأبناء والبنات فعملت مع والدها برعي الماشية.
وحينما ضاقت بوالدها المعيشة أضطر إلى بيع كل ما يملك وأشترى به منزلا متواضعا في المدينة, وبدأ يطرق أبواب الرزق, ظنا منه أن العمل في المدينة سيكون أيسر وأفضل لكن بحثه طال بلا جدوى.
تألمت (نوير) لحال والدها وبدأت في البحث عن وظيفة تساعده بها , لحين أن يكبر شقيقها الصغير ويكون لهم معينا.
وفي أثناء البحث قرأت في إحدى الصحف أن هناك وظيفة ذات راتب يفوق 3000ريال, وأن كل ما ستفعله أنها ستقف خلف الكاشير وستبيع للنساء حاجياتهن الخاصة فقط, لا أكثر من ذلك ولا أقل.
وقرأت أيضا بأنها حينما تعمل في هذه الوظيفة ستساهم في حماية (حياء النساء المسلمات) مما قد يتعرضن له حينما يبيع لهن رجل!!
قرأت نوير كل ذلك لكنها لم تقرأ عن السبب الذي جعل (المفتي العام) يحرم هذه الوظيفة في ظل الظروف الراهنة, ولم تقرأ أيضا مالذي سيؤول إليه (حيائها هي), حينما تتصدى لحماية (حياء النساء) !!
كانت هذه الفرصة لنوير كالحلم, كالحلم تماما, أغمضت عينيها وبدأت تحلق مع الأماني الوردية:
سنتخلص من الفقر, وسأطلب من والدي أن يرحم شيبته من التعب ويرتاح, وفوق ذلك سأنال الأجر من الله لأني سأحمي حياء النساء المسلمات العفيفات.
في اليوم الأول:
ذهبت نوير برفقة والدها لشركة مالك أحد تلك المحلات, وأبدى الأب رغبة ابنته بالوظيفة, رحب بهما مالك الشركة وطلب منها توقيع العقد ووقعت.
رغم أنها لم تفهم من بنود العقد شيئا .. لكنها وقعت !!
وبعد ذلك طلب منها المالك أن تباشر تدريبها في الغد في مقر الشركة, إذا ما أرادت أن تستلم أول راتب بعد شهر من الآن,
وأكد لها أيضا أنها ستبيع للنساء فقط, في جو من الخصوصية ووفق الضوابط الشرعية!!
بل إنه طمأن والدها بأنه لا حاجة إلى حضوره أثناء التدريب والعمل, وأن ابنته في مأمن !!
في اليوم الثاني:
ذهبت نوير للشركة لتفاجأ بأن مديرها (رجل) وهو الذي سيدربها بنفسه,بدأت تفكر كيف يحدث ذلك وهي التي لم تحادث رجلا قط إلا حديثا عابرا,
فاتصلت بمالك الشركة لتحتج على ذلك, فأخبرها أن ذلك سيكون مؤقتا وأن مديرها يعتبرها مثل ابنته !!
لم تتحمل نوير أن يخدش حيائها, لكنها أيضا لم تتحمل فكرة تضييع الحلم, ولم تتحمل أن ترى أثر الخيبة في ملامح والدها إذا ما تلاشى كل خططوا له سويا,
فقررت أن تتحامل على نفسها في سبيل ذلك وتواصل.
وبعد أسبوع:
طلب منها المدير أن تباشر عملها في الميدان - وهو أحد محلات الشركة- , وحينما ذهبت كانت الصدمة الأخرى,
لقد كان المحل كبيرا وليس فيه أدنى خصوصية, والأسوأ أنه كان معها أربعة من الذكور كلهم يعملون في الأقسام المجاورة لها!!
كما أنها اضطرت لمقابلة عشرات الزبائن من الذكور ذلك اليوم, رغم أنها تبيع في القسم النسائي!!
بقيت نوير في حيرة شديدة وبدأت الهموم تتحسس طريقها إليها.
وبعد أسبوعين:
كان الوقت صباحا والمحل خاليا, وكانت نوير تعد تقريرها الأول لصاحب العمل, فتقدم نحوها أحد العاملين في المحل وهو يحمل معه وجبة إفطارا لها, اعتذرت منه لكنه أصرَّ بلباقة على أن تأخذه, وأخبرها أنها مثل أخته, وأن بإمكانها أن تستعين به إذا ما واجهت أي مشكلة, - كان يتحدث بشهامة مفرطة – !!
وعاد إلى بقية زملائه مزهوا ومتفاخرا وعلى شفتيه ابتسامة ساخرة !!!
في الأسبوع الثالث:
شعرت نوير بميل نحو ذلك العامل معها, فقد كان حريصا على إحضار الإفطار كل صباح وهو يغض بصره عنها, وحمدت الله أن سخر لها رجلا يحميها ويسندها, حيث سئمت تلك التعليقات القذرة من بعض الزبائن وبدأت تتهاوى أمام ألمها من حال والدها وأسرتها من جهة وأمام طبيعة العمل التي تفوق طاقتها من جهة أخرى.
بعد شهر:
كانت نوير تذرف دموعها حزنا, حيث لم يستحسن المدير تقريرها وأدائها في الشهر الأول وهددها بالإقالة, فأتى ذلك الزميل الشهم وأقترب منها وهو يبدي ارتباكا مفتعلا, أخبرها أنه لن يسمح لأحد بأن يتسبب في نزول دمعه واحدة!!
وجلس بجوارها وطلب منها قلما وورقة, وأن تقوم بإملائه المعلومات التي يطلبها لإتمام التقرير, بقيا كذلك حتى أنهيا المعلومات المطلوبة, فسلمها التقرير و أخذته وهي عاجزة عن الشكر والامتنان.
- كانت المرة الأولى التي تسمح فيها لرجل غريب بأن يجلس بجوارها -
عادت نوير للمنزل ذلك اليوم وهي تردد المقولة الرائعة:
(الرجل للمرأة سند، وللحياة نعمة، وللبيت عماد، وللأنوثة ري، وللأوجاع ستر، وللحاجات سداد، وللشدائد فارس!)
كانت تردد تلك المقولة بسعادة غامرة, دون أن تعرف أن ذلك العابث
(لم يكن رجلا قط)..
بعد شهرين:
جاء ذلك العامل ليطمئن على تقريرها وكانت قد أنجزته بمهارة, بارك لها هذا الإبداع وأشاد بكفاءتها, وربت على كتفها مشجعا!!
- كانت المرة الأولى التي يلمسها فيها –
بعد ثلاثة أشهر:
هل تنتظرون إكمال الحكاية؟!!
صدقوني.. لا داعي لذلك.. فكلنا يعرف النهاية
ببساطة:
لا نريد أن نخسر امرأة نقية, في كل يوم يطبق فيه قرار بآليات فوضوية وثغرات مدمرة.
- كاتبة مهتمة بقضايا المرأة في الإعلام
الكاتب: هند عامر
المصدر: موقع آسية